Selasa, 25 Januari 2011

Zakat fitrah dengan "Uang"

اختلاف الفقهاء في دفع القيمة
إذا وجب على رب المال شاة في غنمه. أو ناقة في إبله، أو إردب في قمحه، أو قنطار في ثمره وفاكهته، فهل يتحتم عليه أن يخرج هذه الأشياء عينها، أم يُخيَّر بينها وبين أداء قيمتها بالنقود مثلاً، فإذا أخرج القيمة أجزأته وصحت زكاته؟
اختلف في ذلك الفقهاء على أقوال: فمنهم من يمنع ذلك، ومنهم من يجيزه بلا كراهة، ومنهم من يجيزه مع الكراهة، ومنهم من يجيز في بعض الصور دون بعض.
وأكثر المتشددين في منع إخراج القيمة هم الشافعية والظاهرية، ويقابلهم الحنفية، فهم يجيزون إخراجها في كل حال، وعند المالكية والحنابلة روايات وأقوال.
ففي مختصر "خليل". أن دفع القيمة لا يجزيء، وقد تبع فيه ابن الحاجب وابن بشير، وقد اعترضه في "التوضيح" بأنه خلاف ما في المدونة، ونصه المشهور في إعطاء القيمة: أنه مكروه لا محرم (قال في المدونة: "ولا يعطي مما لزمه من الزكاة العين عرضًا أو طعامًا، ويكره للرجل اشتراء صدقته" أهـ، فجعله من شراء الصدقة، وأنه مكروه، ومثله لابن عبد السلام
.
قال الباجي: ظاهر المدونة وغيرها: أنه من باب شراء الصدقة، والمشهور فيه أنه مكروه لا محرم.
وقد قال بعض المالكية: ظاهر كلامهم: أن ما في التوضيح وابن عبد السلام هو الراجح، ويدل له اختيار ابن رشد له حيث قال: الإجزاء أظهر الأموال، وصوبه ابن يونس أيضًا، وهناك تفصيل في إخراج القيمة انفرد به بعض المالكية، وذكره الدردير وهو: أن إخراج العين "النقود" عن الحرث أو الماشية يجزيء مع الكراهة، وأما إخراج العرض عنهما أو عن العين، أو إخراج الحرث أو الماشية عن العين، أو الحرث عن الماشية أو عكسه فلا يجزيء. انظر الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه: 1/502).
وفي شرح الرسالة لابن ناجي (الجزء الأول ص340) . قول لأشهب وابن القاسم بأن إخراج القيمة مطلقًا جائز، وقيل بعكسه.
وفي المدونة: من جبره المصدَّق على أخذ ثمن الصدقة رجوت أن تجزيه. قال الشيوخ: لأنه حاكم، وحكم الحاكم يرفع الخلاف (انظر: شرح الرسالة لزروق: 1/340).
وأما عند الحنابلة فذكر في "المغني": أن ظاهر مذهب أحمد: أنه لا يجزيء إخراج القيمة في شيء، من الزكوات، لا زكاة الفطر، ولا زكاة المال، لأنه خلاف السنة.
وروي عن أحمد القول بالجواز فيما عدا الفطرة، وقال أبو داود: سئل أحمد عن رجل باع ثمرة نخله؟ قال: عشره على الذي باعه. قيل له: فيخرج ثمرًا أو ثمنه؟ قال: إن شاء أخرج ثمرًا، وإن شاء أخرج من الثمن، وهذا دليل على جواز إخراج القيم (المغني: 3/65- طبع المنار (الثانية).
أما زكاة الفطر، فقد شدد فيها، ولم يجز إعطاء القيمة، وأنكر على من احتج بفعل عمر بن عبد العزيز (المصدر السابق). كما سنبين ذلك في الباب السابع.
سبب الخلاف
والسبب الأول لهذا النزاع يرجع إلى اختلاف زوايا النظر إلى حقيقة الزكاة: هل هي عبادة وقربة لله تعالى أم حق مرتب في مال الأغنياء للفقراء؟ وبتعبيرنا: ضريبة مالية مفروضة على مالك النصاب؟
والحق أن الزكاة -كما ذكرنا في غير موضع- تحمل المعنيين، ولكن بعض الفقهاء كالشافعي وأحمد -في المشهور عنه- وبعض المالكية، وكذلك الظاهرية، غلبوا معنى العبادة والقربة في الزكاة، فحتموا على المالك إخراج العين التي جاء بها النص، ولم يجوزوا له إخراج القيمة.
وغلب أبو حنيفة وأصحابه وآخرون من الأئمة الجانب الآخر: أنها حق مالي قصد به سد خلة الفقراء، فجوزوا إخراج القيمة (انظر البحر: 2/144، 170، 171، وفقه الإمام جعفر: 2/70-71).
أدلة المانعين من إخراج القيمة
استند المانعون إلى أدلة متفرقة - من النظر والأثر - نجمع شتاتها ونرتبها فيما يلي:
1- قال إمام الحرمين الجويني -وهو شافعي-: المعتمد في الدليل لأصحابنا: أن الزكاة قُربة لله تعالى، وكل ما كان كذلك فسبيله أن يتبع فيه أمر الله تعالى، ولو قال إنسان لوكيله: اشتر ثوبًا، وعلم الوكيل أن غرضه التجارة، ووجد سلعة هي أنفع لموكله، لم يكن له مخالفته، وإن رآه أنفع، فما يجب لله تعالى بأمره أولى بالاتباع.
وكما لا يجوز في الصلاة إقامة السجود على الخد والذقن، مقام السجود على الجبهة والأنف، والتعليل فيه بمعنى الخضوع؛ لأن ذلك مخالفة للنص، وخروج على معنى التعبد. كذلك لا يجوز في الزكاة إخراج قيمة الشاة أو البعير، أو الحب أو الثمر المنصوص على وجوبه؛ لأن ذلك خروج على النص، وعلى معنى التعبد، والزكاة أخت الصلاة (المجموع للنووي: 5/43).
وبيان ذلك: أن الله سبحانه أمر بإيتاء الزكاة في كتابه أمرًا مجملاً بمثل قوله: (وآتوا الزَّكَاةَ)، وجاءت السنة ففصلت ما أجمله القرآن، وبينت المقادير المطلوبة بمثل قوله -صلى الله عليه وسلم- : (في كل أربعين شاة شاة)، (في كل خمسة من الإبل شاة) إلخ، فصار كأن الله تعالى قال: "وآتوا الزكاة من كل أربعين شاة شاة" فتكون الزكاة حقًا للفقير بهذا النص، فلا يجوز الاشتغال بالتعليل لإبطال حقه من العين.
- يؤكد هذا المعنى أمر آخر ذكره القاضي أبو بكر بن العربي المالكي وهو: أن التكليف والابتلاء بإخراج الزكاة ليس بنقص الأموال فقط - كما فهم أبو حنيفة - فإن هذا ذهول عن التوفية لحق التكليف في تعيين الناقص، وهو يوازي التكليف في قدر الناقص، فإن المالك يريد أن يبقى ملكه بحاله، ويخرج من غيره عنه، فإذا مالت نفسه إلى ذلك وعلقت به، كان التكليف قطع تلك العلاقة التي هي بين القلب وبين ذلك الجزء من المال، فوجب إخراج ذلك الجزء بعينه (أحكام القرآن القسم الثاني ص945) .
3- ومعنى ثالث، وهو: أن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، شكرًا لله على نعمة المال، والحاجات متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب؛ ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تُدفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به (انظر المغني: 3/66).
4- وبعد ذلك قد روى أبو داود وابن ماجه (ذكره في "المنتقي"، وقال الشوكاني: صححه الحاكم على شرطهما، وفي إسناده عطاء عن معاذ، ولم يسمع منه؛ لأنه ولد بعد موته أو في سنة موته أو بعد موته بسنة (نيل الأوطار: 4/152- طبع العثمانية). أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر)، وهو نص يجب الوقوف عنده، فلا يجوز تجاوزه إلى أخذ القيمة، لأنه في هذه الحال سيأخذ من الحب شيئًا غير الحب، ومن الغنم شيئًا غير الشاة .... إلخ، وهو خلاف ما أمر به الحديث.
أدلة المجوِّزين
أما الذين أجازوا إخراج القيمة بدلاً عن العين، من الحنفية ومن وافقهم من الفقهاء، فشرحوا وجهة مذهبهم وبينوا مستندهم من العقل والنقل، بما نذكره فيما يلي:
1- إن الله تعالى يقول: (خُذْ مِنْ أموالهم صدقةً) (التوبة: 103)، فهو تنصيص على أن المأخوذ مال، والقيمة مال، فأشبهت المنصوص عليه.
أما بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أجمله القرآن بمثل: (في كل أربعين شاة شاة) فهو للتيسير على أرباب المواشي، لا لتقييد الواجب به؛ فإن أرباب المواشي تعز فيهم النقود، والأداء مما عندهم أيسر عليهم (المبسوط: 2/157).
2- وقد روى البيهقي بسنده، والبخاري معلقًا عن طاوس قال: قال معاذ باليمن: ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة.
وفي رواية: "ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير" (السنن الكبرى للبيهقي: 4/113).
وذلك أن أهل اليمن كانوا مشهورين بصناعة الثياب ونسجها، فدفعها أيسر عليهم، على حين كان أهل المدينة في حاجة إليها، وقد كانت أموال الزكاة تفضل عن أهل اليمن فيبعث بها معاذ إلى المدينة عاصمة الخلافة، وقول معاذ الذي اشتهر فرواه طاوس فقيه اليمن وإمامها في عصر التابعين - يدلنا على أنه لم يفهم من الحديث الآخر الذي أمره فيه الرسول بأخذ الجنس: (خذ الحب من الحب والشاة من الغنم...) أنه إلزام بأخذ العين، ولكن لأنه هو الذي يطالب به أرباب الأموال، والقيمة إنما تؤخذ باختيارهم، وإنما عين تلك الأجناس في الزكاة تسهيلاً على أرباب الأموال؛ لأن كل ذي مال إنما يسهل عليه الإخراج من نوع المال الذي عنده، كما جاء في بعض الآثار: أنه -عليه السلام- جعل في الدية على أهل الحلل حللاً (الجوهر النقي لابن التركماني المطبوع مع السنن الكبرى: 4/113).
3- وروى أحمد والبيهقي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبصر ناقة مسنة في إبل الصدقة فغضب وقال: قاتل الله صاحب هذه الناقة" !! (يعني الساعي الذي أخذها) فقال: يا رسول الله، إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الصدقة. قال: (فنعم إذن)، وهذا الحديث صالح للاحتجاج به من حيث السند (انظر المصدر السابق)، ومن حيث الدلالة، فإن أخذ الناقة ببعيرين إنما يكون باعتبار القيمة.
4- إن المقصود من الزكاة إغناء الفقير وسد خلة المحتاج، وإقامة المصالح العامة للملة والأمة التي بها تعلو كلمة الله، وهذا يحصل بأداء القيمة كما يحصل بأداء الشاة، وربما يكون تحقيق ذلك بأداء القيمة أظهر وأيسر، ومهما تتنوع الحاجات فالقيمة قادرة على دفعها.
5- ثم إنه يجوز بالإجماع العدول عن العين إلى الجنس، بأن يخرج زكاة غنمه شاة من غير غنمه، وأن يخرج عُشر أرضه حبًا من غير زرعه، فجاز العدول أيضًا من جنس إلى جنس.
وفي هذا رد على القاضي ابن العربي الذي رأى أن للشارع قصدًا في تعيين الجزء الواجب إخراجه من المال لقطع العلاقة بين قلب المالك وبين ذلك الجزء المعين من ماله، ولو كان ذلك مقصودًا للشارع ما جاز له بالإجماع أن يعدل عن هذا الجزء من ماله ويخرج مثله من جنسه من مال آخر لأي مخلوق من الناس.
6- روى سعيد بن منصور في سننه عن عطاء قال: كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم (المغني: 3/65).
موازنة وترجيح
أعتقد أننا بعد التأمل في أدلة الفريقين يتبين لنا رجحان ما ذهب إليه الحنفية في هذا المقام، تسندهم في ذلك الأخبار والآثار، كما يسندهم النظر والاعتبار.
والحقيقة أن تغليب جانب العبادة في الزكاة، وقياسها على الصلاة في التقيد بما ورد من نصفيما يؤخذ - لا يتفق هو وطبيعة الزكاة التي رجح فيها من خالفوا الحنفية أنفسهم الجانب الآخر:أنها حق مالي وعبادة متميزة، فأوجبوها في مال الصبي والمجنون، حيث تسقط عنه الصلاة، وكان أولى بهم أن يذكروا هنا ما قالوه هناك، وردوا به على الحنفية الذين أسقطوا الزكاة من غير المكلفين، قياسًا على الصلاة.
والواقع أن رأي الحنفية أليق بعصرنا وأهون على الناس، وأيسر في الحساب وخاصة إذا كانت هناك إدارة أو مؤسسة تتولى جمع الزكاة وتفريقها، فإن أخذ العين يؤدي إلى زيادة نفقات الجباية بسبب ما يحتاجه نقل الأشياء العينية من مواطنها إلى إدارة التحصيل، وحراستها، والمحافظة عليها من التلف، وتهيئة طعامها وشرابها وحظائرها إذا كانت من الأنعام من مؤنة وكلف كثيرة. مما ينافي مبدأ "الاقتصاد" في الجباية.
وقد روى هذا الرأي عن عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وإليه ذهب سفيان الثوري، وروي عن أحمد مثل قولهم في غير زكاة الفطر (المغني: 3/65). قال النووي: وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه (المجموع: 5/429).
وقال ابن رشد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية، مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل (فتح الباري: 3/200).
وذلك أن البخاري عقد بابًا لأخذ العروض في الزكاة (وهو أخذ بالقيمة) مستدلاً بأثر معاذ الذي رواه عنه طاوس، حيث طلب أن يأخذ منهم الثياب في الصدقة مكان الذرة والشعير، فإن ذلك أهون عليهم وخير لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة (ذكر البخاري أثر طاوس معلقًا بصيغة الجزم، وهذا دليل على صحته عنده، وقد كان طاوس -وهو إمام اليمن وفقيهها في عصر التابعين- عالمًا بأخبار معاذ باليمن وإيراد البخاري لأثره في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده (الفتح: 3/200).
كما استدل بأحاديث أخرى منها ما جاء في كتاب أبي بكر في صدقة الماشية إذ جاء فيه: (ومن بلغت صدقته بنت مخاض (وليست عنده) وعنده بنت لبون فإنها تُقبل منه، ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين) وأخذ سن بدل سن، ومع إعطاء قيمة الفرق دراهم أو شياهًا يدل على أن أخذ العين ليس مطلوبًا بالذات، ولكن للتيسير على أرباب الأموال.
أما ابن حزم فرد الاستدلال بحديث طاوس زاعمًا أنه لا تقوم به حجّة لوجوه ذكرها.
ولها: أنه مرسل، لأن طاوسًا لم يدرك معاذًا، ولا ولد إلا بعد موت معاذ.
الثاني: أنه لو صح لما كانت فيه حجّة؛ لأنه ليس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا حجة إلا فيما جاء عنه عليه السلام.
الثالث: أنه ليس فيه أنه قال ذلك في الزكاة، وقد يمكن - لو صح - أن يكون قاله لأهل الجزية، وكان يأخذ منهم الذرة والشعير والعرض مكان الجزية.
الرابع: أن الدليل على بطلان هذا الخبر ما فيه من قول معاذ: "خير لأهل المدينة" وحاشا لله أن يقول معاذ هذا، فيجعل ما لم يوجبه الله -تعالى- خيرًا مما أوجبه (المحلي: 6/312- طبع الإمام).
والحق أن هذه الوجوه ضعيفة:
فطاوس -وإن لم يلق معاذًا- عالم بأمره خبير بسيرته، كما قال الشافعي، وقد كان طاوس إمام اليمن في عصر التابعين، فهو على دراية بأحوال معاذ وأخباره، والعهد قريب.
وعمل معاذ في اليمن وأخذه القيمة دليل على أنه لا يجد في ذلك معارضة لسُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي جعل اجتهاده في المرتبة الثالثة بعد القرآن والسنة، وعدم إنكار أحد من الصحابة عليه يدل على موافقتهم الضمنية على هذا الحكم.
أما احتمال أن يكون هذا الخبر في الجزية فهو ضعيف، بل باطل كما قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه علي المحلي، فإنه في رواية يحيى بن آدم: "مكان الصدقة".
وأما الوجه الرابع فهو تعسف وتحامل من ابن حزم، فإن معنى: "خير لكم" في الخبر: "أنفع لكم" لحاجتهم إلى الثياب أكثر من الذرة والشعير، وهذا أمر واقع لا نزاع فيه. أما قوله: "لم يوجبه الله".... إلخ فهذا هو موضوع النزاع، فلا يجوز الاحتجاج بنفس الدعوى، وأخذ القيمة حينئذ يكون مما أوجبه الله تعالى في شرعه.
وذهب ابن تيمية مذهبًا وسطًا بين الفريقين المتنازعين، قال فيه: "الأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة، ممنوع منه، ولهذا قدر النبي -صلى الله عليه وسلم- الجبران بشاتين أو عشرين درهمًا، ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقًا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو للمصلحة، أو العدل، فلا بأس به: مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عُشر الدراهم يجزئه، ولا يُكلف أن يشتري ثمرًا أو حنطة، إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك.
ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كاف، ولا يُكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة.
ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع، فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أنها أنفع للفقراء، كما نُقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول لأهل اليمن: "ائتوني بخميس أو لبيس، أيسر عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار"، وهذا قد قيل: إنه قاله في الزكاة، وقيل في الجزية" اهـ-(مجموع فتاوى ابن تيمية: 25/82-83- طبع السعودية).
وهذا قريب مما اخترناه، والحاجة والمصلحة في عصرنا تقتضي جواز أخذ القيمة ما لم يكن في ذلك ضرر بالفقراء أو أرباب المال.

Bab zakat fitrah :

إخراج القيمة
أما إخراج القيمة فلم يجزه الأئمة الثلاثة في زكاة الفطر وفي سائر الزكوات. سئل أحمد عن عطاء الدراهم في صدقة الفطر فقال: أخاف ألا يجزئه ؛ خلاف سنة رسول لله.
وقيل له: قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة؟
قال: يدعون قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقولون: قال فلان؟ قال ابن عمر:"فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"... الحديث، قال الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (النساء:59).
فهو يرى دفع القيمة مخالفة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا قول مالك والشافعي (المغني:3/65).
وكذلك قال ابن حزم: لا تجزئ قيمة أصلاً، لأن ذلك غير ما فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا بتراضٍ منهما، وليس للزكاة مالك معين فيجوز رضاه أو إبراؤه (المحلى: 6/137).
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يجوز إخراج القيمة، وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري (المغني:3/65 وفي المحلى: 6/10: "صح ذلك عن عمر بن عبد العزيز").
روى ابن أبي شيبة عن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدى بالبصرة (وعدى هو الوالي): "يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم " (مصنف ابن أبي شيبة: 4/37 -38).
وعن الحسن قال: لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر (المرجع السابق).
وعن أبي إسحاق قال: أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام.
وعن عطاء: أنه كان يعطي في صدقة الفطر ورقًا (دراهم فضية) (نفس المرجع).
( أ ) ومما يدل لهذا القول أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أغنوهم -يعنى المساكين- في هذا اليوم) والإغناء يتحقق بالقيمة، كما يتحقق بالطعام، وربما كانت القيمة أفضل، إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعها، والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات.
( ب ) كما يدل على جواز القيمة ما ذكره ابن المنذر من قبل: أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية: "إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر"
(جـ) ثم إن هذا هو الأيسر بالنظر لعصرنا وخاصة في المناطق الصناعية التي لا يتعامل الناس فيها إلا بالنقود. كما أنه -في أكثر البلدان وفي غالب الأحيان- هو الأنفع للفقراء.
والذي يلوح لي: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة لسببين: الأول: لندرة النقود عند العرب في ذلك الحين، فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس، والثاني: أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر، بخلاف الصاع من الطعام فإنه يشبع حاجة بشرية محددة، كما أن الطعام كان في ذلك العهد أيسر على المعطي، وأنفع للآخذ، والله أعلم بالصواب.
وقد فصلنا القول في موضوع "دفع القيمة" في الزكوات عامة في باب "طريقة أداء الزكاة" فليرجع إليه.
مسائل تتعلق بدفع القيمة
بقيت هنا بعض مسائل تتعلق بإخراج القيمة ذكرها علماء الحنفية:
الأولى: أن المراد بدفع القيمة قيمة الحنطة أو الشعير أو التمر، يؤدى قيمة أي الثلاث شاء عن أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: يؤدى قيمة الحنطة (الدر المختار وحاشيته "رد المحتار": 2/80).
والذي أختاره: أن يدفع قيمة صاع من غالب قوت البلد، من أوسط الأصناف، فإن كان من أجودها فهو أحسن.
الثانية: أنه لا يجوز أداء الأجناس المنصوص عليها بعضها عن بعض باعتبار القيمة. فكما لا يجوز إخراج الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة ؛ بأن يؤدى نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط، لا يجوز إخراج تمر أو شعير عن الحنطة باعتبار القيمة، بأن، يؤدى نصف صاع تمر مثلاً تبلغ قيمته نصف صاع من حنطة، عن الحنطة، بل يقع عن نفسه، وعليه تكميل الباقي ؛ لأن القيمة إنما تعتبر في غير المنصوص عليه (ذكر ذلك في رد المحتار: 2/83 نقلاً عن البدائع).
الثالثة: اختلف الحنفية: أيهما أفضل: دفع القيمة أم إخراج المنصوص عليه؟
فقال بعضهم: دفع الحنطة أفضل في الأحوال كلها، سواء أكانت أيام شدة أم لا ؛ لأن في هذا موافقة للسنة. وفصل آخرون فقالوا: إذا كان الزمن زمن شدة وأزمة في الأقوات، فدفع العين (الحنطة) أفضل وأما في أوقات السعة والرخاء، فدفع القيمة أفضل ؛ لأنها أعون على دفع حاجة الفقير (المرجع السابق).
ومن هذا يتضح لنا أن المدار في الأفضلية على مدى انتفاع الفقير بما يدفع له، فإن كان انتفاعه بالطعام أكثر كان دفعه أفضل، كما في حالة المجاعة والشدة، وإن كان انتفاعه بالنقود أكثر. كان دفعها أفضل.
وينبغي أن يوضع في الحساب انتفاع أسرة الفقير كلها لا نفعه وحده، فقد يأخذ بعض الفقراء ذوي العيال القيمة وينفقها على نفسه أو في أشياء كمالية، على حين أولاده يحتاجون إلى القوت الضروري. فدفع الطعام لهؤلاء أولى.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

*

Islam Mosque

Silaturrahmi...


ShoutMix chat widget

Kegiatan MAM 02